بعد تعويم الجنيه.. نظرة على توقعات الخبراء ومؤشرات التجارة الخارجية

حظيت القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي المصري بتحرير سعر صرف الجنيه ورفع أسعار الفائدة بإشادات واسعة من مؤسسات مالية وائتمانية عالمية. وقد أجمعت التعليقات على أن هذه الخطوات، رغم صعوبتها، تضع الاقتصاد المصري على المسار الصحيح وتزيد من ثقة المستثمرين والمؤسسات الدولية في قدرته على مواجهة التحديات.

توقعات سعر الصرف في ضوء القرارات الجديدة

في أعقاب قرار التعويم، شهد الجنيه المصري انخفاضًا ملحوظًا، حيث وصل إلى حوالي 24.25 جنيهًا للدولار الأمريكي. وفي هذا السياق، اعتبر بنك “جي بي مورغان” في مذكرة بحثية حديثة أن السعر الحالي للجنيه يعد سعرًا عادلًا، مع توقعات بأن يصل إلى 23.5 جنيهًا للدولار بنهاية العام الجاري.

من جانبه، وصف الدكتور يسري الشرقاوي، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة ومستشار الاستثمار الدولي، قرارات البنك المركزي بأنها “واحدة من أعظم القرارات”، مؤكدًا أنها تعكس وعيًا كاملاً من صانعي السياسة النقدية والمالية بالتطورات العالمية. وأشار الشرقاوي إلى أن مصر، ولأول مرة، قامت بتحرير كامل لسعر الصرف، تاركة تحديده لآليات العرض والطلب في السوق، وهو ما يجعل السعر الحالي “مُعبّرًا” عن الواقع الاقتصادي بدلاً من كونه “عادلًا”.

وأضاف الشرقاوي أن عصر الحديث عن سعر ثابت للجنيه قد انتهى، وأن العملة ستشهد تذبذبات خلال الفترة المقبلة. لكنه توقع حدوث استقرار نسبي في غضون ثلاثة إلى أربعة أشهر، مدعومًا بالحزم التمويلية المنتظرة، مما قد يؤدي إلى تراجع سعر صرف الدولار بنسبة تتراوح بين 15% و20%.

حزم تمويلية ودعم دولي لتعزيز الاستقرار

تدعم هذه النظرة المتفائلة الخبيرة المصرفية سهر الدماطي، نائب رئيس بنك مصر سابقًا، والتي أكدت أن الفترة المقبلة ستشهد تدفق حزم مالية متنوعة إلى مصر تصل قيمتها إلى حوالي 9 مليارات دولار. هذه الأموال، بالإضافة إلى الاستثمارات المتوقعة من عدة دول خليجية، من شأنها أن تعزز الاحتياطي الأجنبي وتدعم استقرار سعر الصرف على المدى المتوسط، والذي سيظل محكومًا بقوى العرض والطلب فقط.

وشددت الدماطي على أن استراتيجية الدولة حاليًا تركز على توسيع القاعدة الصناعية، وتقليل فاتورة الاستيراد، والعمل بقوة على زيادة الصادرات، بالإضافة إلى تعظيم إيرادات قطاع السياحة، بهدف تقليص الفجوة التجارية.

أداء التجارة الخارجية لمصر في عام 2024

في ظل هذه التطورات النقدية، تكشف أحدث البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن أداء التجارة الخارجية لمصر خلال عام 2024، والذي يعكس التحديات والفرص التي يواجهها الاقتصاد.

نمو قوي في الصادرات غير البترولية

بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية لمصر 140.6 مليار دولار في عام 2024. ووصلت قيمة الصادرات المصرية إلى 45.3 مليار دولار، مسجلة زيادة بنسبة 6.5% مقارنة بعام 2023. وكان المحرك الرئيسي لهذا النمو هو الصادرات غير البترولية التي قفزت بنسبة 14.4% لتصل إلى 39.9 مليار دولار. وفي المقابل، تراجعت صادرات المنتجات البترولية والكهرباء بنسبة 29.1%، متأثرة بتقلبات أسواق الطاقة العالمية.

ومن أبرز السلع التي قادت نمو الصادرات: الذهب الخام الذي ارتفعت صادراته بنسبة 77.7% لتصل إلى 3.2 مليار دولار، والملابس الجاهزة التي سجلت 2.8 مليار دولار، واللدائن (البلاستيك) ومنتجاتها بقيمة 2.3 مليار دولار.

وحافظت المملكة العربية السعودية على مكانتها كأكبر مستقبل للصادرات المصرية، حيث استحوذت على 7.7% من الإجمالي، تليها تركيا، ثم الإمارات العربية المتحدة التي شهدت نموًا كبيرًا في وارداتها من مصر بنسبة 47.5%.

ارتفاع فاتورة الواردات مدفوعًا بالطاقة

على الجانب الآخر، ارتفعت قيمة الواردات المصرية بشكل حاد بنسبة 13.2% لتصل إلى 95.3 مليار دولار. وكان السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة هو ارتفاع واردات المنتجات البترولية بنسبة 38.3% لتصل إلى 16.1 مليار دولار، نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية وزيادة الطلب المحلي.

وظلت الصين أكبر مورد لمصر، حيث شكلت وارداتها 16.5% من الإجمالي، تليها السعودية ثم الولايات المتحدة وروسيا.

يعكس أداء التجارة الخارجية لعام 2024 اتجاهًا مزدوجًا؛ فمن ناحية، هناك نجاح ملحوظ في تنويع الصادرات غير البترولية وزيادة قدرتها التنافسية. ومن ناحية أخرى، يسلط اتساع الفجوة التجارية الضوء على التحدي المستمر المتمثل في الاعتماد على استيراد السلع، خاصة في قطاع الطاقة، وهو ما تعمل السياسات النقدية والاقتصادية الحالية على معالجته.