تعويم الجنيه المصري خلال عشر سنوات: محطات فاصلة في مسار الإصلاح الاقتصادي
أعلن البنك المركزي المصري، خلال اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية، عن حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي والنقدي. شملت هذه الإجراءات تعويم الجنيه بشكل كامل، إلى جانب رفع أسعار الفائدة الرئيسية بواقع 200 نقطة أساس، ليبلغ سعر الإيداع لليلة واحدة 13.25%، وسعر الإقراض 14.25%. ويعد هذا القرار هو الرابع من نوعه في تاريخ تعويم العملة المصرية.
وفيما يلي تسلسل زمني لأبرز مراحل تعويم الجنيه المصري خلال السنوات العشر الماضية، ما يعكس تطورات السياسة النقدية في البلاد.
ما هو تعويم الجنيه؟
تعويم الجنيه يعني تحرير سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، بحيث لا يتدخل البنك المركزي أو الحكومة في تحديد السعر، بل يتم تركه لآليات السوق من عرض وطلب. ويأخذ التعويم شكلين: حرّ وموجّه. في التعويم الحر، يحدد السعر بالكامل وفقًا لحركة السوق، أما في التعويم الموجّه، يتدخل البنك المركزي بشكل محدود لتوجيه السعر وفق مصالح الاقتصاد الوطني، من خلال التأثير على المعروض أو الطلب من النقد الأجنبي.
الجنيه والدولار في السبعينيات
شهدت مصر أولى ملامح سياسة تحرير العملة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977، عندما سمح بعودة البطاقات الاستيرادية للقطاع الخاص، وفتح المجال أمام الاقتراض من الدول الغربية، وهي الخطوة التي أسست لما عُرف لاحقًا بديون نادي باريس. ورغم ذلك، لم يتمكن السادات من المضي في إصلاح شامل للموازنة، ومع تراجع تدفقات الاستثمارات الخليجية، عادت أزمات الدولار للظهور، وقفز سعره رسميًا من 1.25 جنيه إلى نحو 2.5 جنيه.
تعويم 2003: خطوة جديدة نحو التحرير
في عام 2003، اتخذت الحكومة المصرية برئاسة عاطف عبيد قرارًا تاريخيًا بتحرير سعر صرف الجنيه، بما أتاح للسوق أن يحدد السعر بناءً على العرض والطلب، وفك الارتباط مع الدولار. نتيجة لذلك، شهد الدولار قفزات سعرية، حيث تجاوز سعره 5.5 جنيهات، قبل أن يلامس مستوى 7 جنيهات، ويستقر بعد فترة عند حدود 6.20 جنيه، مقارنة بسعر ما قبل التعويم الذي كان يبلغ حوالي 3.40 جنيه.
تعويم 2016: أكبر تحول في السياسة النقدية
في نوفمبر من عام 2016، أعلن البنك المركزي عن تعويم كامل للجنيه المصري، وسمح للبنوك بتحديد أسعار صرف العملات الأجنبية بحرية كاملة عبر آلية الإنتربنك الدولاري. وقد تراوح سعر صرف الدولار في ذلك الوقت بين 13.50 و14.50 جنيهًا، وهو ما مثّل تحولا جذريا في السياسة النقدية لمواجهة أزمات نقص النقد الأجنبي، وجذب الاستثمارات، وتحسين المؤشرات الاقتصادية.
تعويم 2023: التحديات مستمرة
القرار الرابع لتعويم الجنيه جاء في عام 2023 وسط تحديات اقتصادية متزايدة، وسعي مستمر من الدولة لتحقيق توازن في سوق الصرف، وتعزيز الاستقرار المالي. وقد تزامن ذلك مع موجة تضخم عالمية وضغوط متعلقة بأسواق العملات الأجنبية، ما دفع البنك المركزي لاتخاذ قرارات إصلاحية جديدة تتماشى مع متطلبات المرحلة.
خلاصة
تعكس قرارات تعويم الجنيه المصري على مدار العقود الماضية مسارًا متقلبًا من الإصلاحات الاقتصادية، ومحاولات حثيثة لاحتواء الأزمات المالية وتحقيق التوازن في ميزان المدفوعات. ورغم التحديات التي صاحبت كل مرحلة، إلا أن هذه الإجراءات كانت ضرورية ضمن استراتيجية أوسع لإعادة بناء الاقتصاد المصري على أسس أكثر مرونة واستقرارًا.