الاقتصاد العالمي المنقسم: أمريكا تتحدى الركود ومصر ترفع “الدولار الجمركي” لمستوى تاريخي
في مشهد اقتصادي يغلب عليه الارتباك، تجد الاقتصادات الكبرى والناشئة نفسها في مواجهة ظواهر غير مسبوقة. فبينما يواصل الاقتصاد الأمريكي تحدي توقعات الركود، تتخذ مصر إجراءات نقدية وجمركية صارمة للتكيف مع ضغوط العملة والسوق الموازية.
لغز الركود المؤجل
على مدار السنوات الثلاث الماضية، انخرط الاقتصاديون والمحللون في لعبة “توقع الركود العام المقبل”. ومع بداية كل عام، كانت القناعة بالانكماش قوية، لكنها سرعان ما تتبخر بحلول الخريف ليتحول الإجماع إلى “بالتأكيد العام المقبل”. وكما قال الاقتصادي الحائز على نوبل بول سامويلسون: “لقد تنبأ الاقتصاديون بتسع من آخر خمس حالات ركود”.
ورغم أن فرص حدوث انكماش اقتصادي تقليدي واسع النطاق لا تزال منخفضة بشكل مفاجئ، إلا أن الأجواء في النصف الثاني من العام تبدو مختلفة. فبعد أن سادت رواية عن مرونة استثنائية للاقتصاد الأمريكي، بدأت التصدعات في الظهور. حتى الاحتياطي الفيدرالي أقر بأن سوق العمل وصلت إلى ما يشبه “الجمود التام”.
اقتصاد “K”: انقسام طبقي حاد
لفهم المشهد الحالي، يجب الاعتراف بأن فكرة “الاقتصاد الأمريكي” الموحد قد عفا عليها الزمن. نحن نعيش الآن في “اقتصاد منقسم” (bifurcated economy). تاريخياً، كانت الدورات الاقتصادية موحدة، لكن حقبة ما بعد “كوفيد” حطمت هذا التزامن، وأدت إلى ما يسميه الاقتصاديون “التعافي على شكل حرف K”؛ حيث يزدهر قطاع من الاقتصاد، بينما يعاني قطاع آخر من الركود أو التراجع.
فريقان: رابحون وخاسرون
الانقسام الأكثر وضوحاً هو بين الأمريكيين ذوي الدخل المرتفع وأولئك ذوي الدخل المنخفض والمتوسط. الفئة الأولى كانت المستفيد الأكبر؛ فقد كسبت المزيد على مدخراتها بفضل أسعار الفائدة المرتفعة، وشهدت مكاسب ضخمة في الثروة من ارتفاع أسواق الأسهم والإسكان.
على النقيض تماماً، تحملت الأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط العبء الأكبر للتضخم المستمر، خاصة في السلع الأساسية كالإيجار والغذاء. ومع نضوب حزم التحفيز، استنفد الكثيرون مدخراتهم، وباتوا يعتمدون بشكل متزايد على الائتمان للحفاظ على استهلاكهم.
بيانات مضللة ومخاطر كامنة
هذا الانقسام يجعل بيانات الاستهلاك الإجمالية مضللة هيكلياً. فعندما يواصل الأثرياء الإنفاق ببذخ على السلع الفاخرة والسفر، فإن ذلك يخفي الضائقة المالية التي يعاني منها 90% من المجتمع. وهذا يفسر كيف يتجه الاقتصاد الأمريكي نحو نمو صحي بنسبة 3.9% في الربع الثالث (وفقاً لنموذج “جي دي بي ناو” لبنك أتلانتا الفيدرالي)، بينما تشير سوق العمل إلى حالة “لا توظيف ولا طرد”. صحة النظام باتت تعتمد بشكل خطير على استمرار إنفاق الأثرياء، وهو سلوك مرتبط بتقلبات أسواق المال.
في سياق متصل.. مصر تتخذ قراراً تاريخياً
وسط هذه التقلبات العالمية وضغوط العملة المتذبذبة، تجد الاقتصادات الناشئة، ومنها مصر، نفسها مضطرة لاتخاذ قرارات صعبة. وفي خطوة هي الأبرز من نوعها، قررت وزارة المالية المصرية التحرك لضبط إيقاع السوق.
سعر تاريخي للدولار الجمركي
أصدرت وزارة المالية قراراً برفع سعر الدولار الجمركي إلى 19.31 جنيه، وهو السعر الذي سيتم التعامل به في عمليات استيراد السلع من الخارج اعتباراً من يوم الخميس. اللافت في القرار، الذي حصل “سكاي نيوز عربية” على نسخة منه، أن هذا السعر هو “الأعلى على الإطلاق” منذ بدء العمل به.
وللمرة الثانية، يصبح سعر الدولار الجمركي أعلى من سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل البنك المركزي، الذي حدد سعر بيع الدولار يوم الأربعاء عند 19.29 جنيه. وكانت مصر قد رفعت الدولار الجمركي في نهاية يونيو الماضي من 17 جنيهاً إلى 18.64 جنيه.
هدف القرار: ضبط السوق
أكد مصدر مسؤول بوزارة المالية لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن هذا الرفع لن يؤدي لزيادة أسعار السلع. وفسر ذلك بأن التجار والمستوردين يحسبون بالفعل تكلفة صفقاتهم وفقاً لسعر الصرف في البنوك (الأعلى) وليس سعر الدولار الجمركي (إن كان أقل).
وتابع المصدر أن الهدف من القرار هو “عمل توازن” بين سعر استيراد السلع وسعر الصرف بالبنوك، لضمان عدم نشوء سوق موازية تؤثر سلباً على أداء الاقتصاد. ويأتي هذا كتغيير للسياسة السابقة، ففي أعقاب تعويم 2016، حين تخطى الدولار 20 جنيهاً، أبقت السلطات سعر الدولار الجمركي عند 16 جنيهاً فقط للسيطرة على الأسعار.
تعميم القرار على جميع المنافذ
عممت الإدارة العامة للتنظيم الجمركي بمصلحة الجمارك المصرية منشوراً بالقرار على جميع المنافذ البرية والجوية والبحرية، للعمل بالسعر الجديد حتى إشعار آخر. كما تضمن القرار تحديد أسعار الصرف الجمركية لبقية العملات الأجنبية الأخرى.









