معركة العقول.. رواتب خيالية في سباق الذكاء الاصطناعي

زوكربيرغ يقود حملة استقطاب كبرى

مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا”، لا يضيّع وقتًا هذه الأيام. فهو منغمس في قراءة أبحاث متقدمة ومعقّدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ليس بدافع الفضول العلمي، بل بهدف تعقّب أفضل الباحثين والمؤلفين وعرض العمل عليهم ضمن فريق جديد يُعرف داخل الشركة باسم “حفلة التوظيف”. وفقًا لتقارير حديثة، يتولى زوكربيرغ بنفسه التواصل مع أبرز المواهب، مقدمًا عروضًا مالية ضخمة تصل إلى 100 مليون دولار سنويًا — أرقام لا تُمنح عادةً سوى للنجوم الرياضيين أو كبار المديرين التنفيذيين.

حتى الآن، نجح زوكربيرغ في إقناع 11 خبيرًا بالانضمام إلى فريق “الذكاء الخارق” الجديد. وأبرز من تم استقطابه كان من شركة OpenAI، مما تسبب بصدمة داخل الأخيرة، حيث كتب مدير البحث رسالة داخلية تم تسريبها لاحقًا قال فيها: “أشعر وكأن أحدهم اقتحم منزلنا وسرقنا”. من الأسماء المنضمة حديثًا أيضًا ألكسندر وانغ، الشاب البالغ من العمر 28 عامًا والمؤسس لشركة Scale AI، التي تم تقييمها جزئيًا مؤخرًا بنحو 14 مليار دولار. يرافقه في الإدارة نات فريدمان، المدير السابق لـ GitHub.

مواهب بملايين الدولارات

بات من الواضح أن رواتب خبراء الذكاء الاصطناعي تخطّت سقوفًا لم تكن معهودة سابقًا. المهندسون والعلماء في هذا المجال أصبحوا نجومًا بكل معنى الكلمة، حيث تتراوح الحوافز السنوية بين 3 و7 ملايين دولار للمناصب العليا. وهناك تقارير عن بعض الحالات التي تجاوزت حاجز الـ10 ملايين. بالمقارنة، يتقاضى مهندس البرمجيات التقليدي في شركات التكنولوجيا الكبرى بين 180 و220 ألف دولار سنويًا، في حين أن عالم الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحقق دخلًا يتعدى الـ2 مليون دولار.

بحسب منصة Levels المختصة بالرواتب، تُعد شركة Meta من بين الأعلى دفعًا لهؤلاء المهندسين، حيث تبدأ الرواتب من 186 ألف دولار وقد تصل إلى 3.2 مليون، في قفزة نوعية لم تكن معهودة لغير المناصب القيادية أو الاستثمارية في الشركات التقنية.

أسباب سباق الرواتب

يُعتبر مارك زوكربيرغ المحرّك الرئيسي لهذه الطفرة. ووفقًا لما قاله سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة OpenAI، فإن Meta عرضت مكافآت تصل إلى 100 مليون دولار للمهندسين المتميزين. ويأتي هذا التحرك كرد فعل على الأداء المخيب للإصدار الرابع من نموذج “لاما”، الذي لم يحقق نتائج قوية في اختبارات البرمجة والمنطق. وقد غادر 11 من أصل 14 باحثًا في هذا المشروع شركة Meta، متجهين إلى شركات منافسة مثل الفرنسية Mistral.

رد فعل OpenAI

OpenAI لم تبقَ مكتوفة الأيدي. فبعد موجة الاستقالات، أرسل مدير البحث فيها، مارك تشين، مذكرة داخلية عبّر فيها عن حجم الخسارة وكأنها “سرقة من داخل البيت”. كرد فعل، منحت الشركة موظفيها إجازة لإعادة شحن طاقتهم، بينما يعمل تشين وألتمان على مدار الساعة لوضع خطط جديدة لاستبقاء المواهب وإعادة هيكلة الرواتب.

نموذج جديد للمواهب المطلوبة

الملفت في هذا السباق أن النموذج المثالي للمواهب لم يعد الشاب الذي يترك الجامعة ليؤسس شركته الناشئة، بل الدكتور المتخصص في مجال علمي دقيق، خريج إحدى الجامعات المرموقة، وغالبًا ما يكون في العقدين الثالث أو الرابع من عمره. بعضهم تابع دراسته العليا بعد رفضه من شركات كبرى مثل Google، وأصبح اليوم ضمن قائمة المطلوبين. آخرون تلقوا نصائح من أساتذتهم بعدم العمل في مجالات مثل التعرف على الصوت، بحجة أنها “ميتة”، لكنهم اليوم يحظون بعروض من زوكربيرغ نفسه.

مستقبل التكنولوجيا يُرسم الآن

في ظل هذه المنافسة الشرسة، تبدو شركات التكنولوجيا الكبرى على استعداد لدفع أي ثمن للحصول على الكفاءات التي ستقود مستقبل الذكاء الاصطناعي. وبينما ترتفع التكاليف البشرية، فإنها تظل ضئيلة مقارنةً بما يُنفق على مراكز البيانات والتجهيزات التكنولوجية. سباق الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد استثمار في المستقبل، بل هو معركة وجود تقودها كبرى العقول العالمية.